المملكة تحتل المركز الثاني عالمياً في مجال تقديم الخدمات الحكومية الرقمية
سلّطت مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب (BCG) الضوء في تقريرها الصادر مؤخراً (بعنوان “الخدمات الحكومية الرقمية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي: استثمار الفرص المتاحة لنيل ثقة المواطنين ورضاهم“) على القدرات الاستثنائية، والأداء الفائق، والكفاءة المتطورة التي أظهرتها المملكة العربية السعودية في مجال التحوّل الرقمي، بفضل تبنيها لخارطةٍ شاملة للتحول الرقمي، واستراتيجيةٍ متكاملة لمواجهة التداعيات المترتبة على انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، الأمر الذي أهّلها بجدارة لاعتلاء المرتبة الثانية عالمياً في مجال تقديم الخدمات الحكومية الرقمية للمواطنين والمقيمين على أراضيها. كما تم استلهام هذه الدراسة أيضاً من أحد الأبحاث التي أجرتها بي سي جي بالتعاون مع Salesforce بعنوان “الثقة الحتمية”، لفهم توقعات العملاء من الحكومات على نحو أفضل.
يستعرض التقرير الجهود التي بذلتها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على مكانتها الرائدة في مجال تطبيق التقنيات الناشئة، والارتقاء بجودة الخدمات الرقمية المقدّمة، والتوسّع في تنفيذها على نحوٍ متكامل خلال الآونة الأخيرة. يأتي ذلك تماشياً مع الأهداف الشاملة التي تتبنّاها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي المتمثلة في تحسين مستوى كفاءة الخدمات المقدّمة، والاستفادة من التقنيات والأدوات الرقمية الحديثة، والاستماع إلى آراء المواطنين والاستفادة منها، وتوفير الخدمات والأدوات التقنية المتطوّرة للمواطنين والمقيمين سعياً لتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم المعيشية وفق أعلى معايير الكفاءة والمرونة.
وتُظهر الدراسة التي أجرتها مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب أن مستوى الرضا عن خدمات الحكومة الرقمية في المملكة العربية السعودية مرتفع، حيث بلغت درجة الرضا الصافية 76%، مقارنة بمتوسطات الدول المتقدمة (64%) والبلدان النامية (58 %). كما نجحت استراتيجيات وبرامج التحوّل الرقمي في المملكة في تحقيق نتائج إيجابية كبيرة، حيث أصبحت المملكة من بين الدول المتقدمة على مستوى العالم من حيث مدى القدرة على الوصول للخدمات الحكومية الرقمية بسهولةٍ ويسر، حيث أكّد نحو 70% من المواطنين المشاركين في الاستطلاع – الذي تم إجراؤه مؤخراً في هذا الإطار – على إمكانية استفادتهم من التطبيقات الحكومية الرقمية المتنوعة، مرةً واحدةً أسبوعياً على الأقل، بنسبةٍ تفوق المتوسط العالمي الحالي البالغ 23%.
وفي هذا الصدد، يقول رامي رياض مرتضى، الشريك والمدير المساعد في مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب: “لقد أدّت الظروف الاستثنائية التي شهدها العالم إثر انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد إلى إحداث تغييراتٍ جذرية شاملة على مختلف الأصعدة. من الواضح أن تداعيات انتشار الوباء قد أظهرت أهمية الخدمات الحكومية الرقمية خلال هذه الفترة. وبالتالي، أصبح تطوير الخدمات الرقمية، والعمل على وضع استراتيجياتٍ تسهم في تعزيز جاذبيتها وتوسيع نطاق استخدامها، أمراً في غاية الضرورة والأهمية خلال فترة ما بعد الأزمة. لقد اتخذت المملكة العديد من التدابير والخطوات الاستباقية الفعّالة منذ بداية الجائحة، حيث أظهرت الدراسات والتقارير الصادرة حجم الإنجازات التي حقّقتها القيادة الرشيدة للمملكة لتوسيع نطاق الخدمات الرقمية الجديدة وتحسينها، والارتقاء بمستوى خدمات الرعاية الصحية المقدّمة، وتوفير سبل العيش والرفاهية لجميع أفراد المجتمع”.
شهدت الفترة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً ونمواً متسارعاً للخدمات الحكومية الرقمية إثر تفشي الجائحة، حيث شملت تلك الجهود إطلاق العديد من حملات التوعية بفيروس كورونا المستجد، وإجراء الاختبارات الطبية، ومتابعة الحالات المصابة، وتحديد المخالطين، والتأكد من الامتثال لقرارات الحجر الصحي، وتعزيز آليات التنسيق بين المتطوعين، وتوفير الدعم المالي اللازم، من خلال المنصات الحكومية الرقمية المختلفة. ينطبق الأمر ذاته على دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، حيث لعبت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي دوراً محورياً في توفير حزمةٍ واسعة من الخدمات الاجتماعية وخدمات الرعاية الصحية المتميزة لمواطنيها والمقيمين على أراضيها. أما فيما يخصّ المملكة، فقد أسهم تطبيق “توكلنا” (التطبيق الرسمي المعتمد من وزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد) في تعزيز قدرة الجهات المختصة على متابعة الحالات المصابة والمخالطة في جميع أنحاء المملكة، ومنح تصاريح التنقّل، وتقييم المخاطر الحالية، والإبلاغ عن الحالات المحتملة. علاوة على ذلك، خصّصت وزارة التعليم العديد من الأدوات والحلول الرقمية المتكاملة لدعم عملية التعلّم عن بعد.
من ناحيةٍ أخرى، يرى الدكتور لارس ليتيج – العضو المنتدب والشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب – أن: “المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بميزاتٍ ومقوماتٍ فريدة لعلّ من أهمها التركيبة السكانية الشابة لمواطنيها، وهو الأمر الذي سيسهم بكلّ تأكيد في دعم جهود التحوّل الرقمي الجاري تنفيذها حالياً، حيث تبلغ نسبة الأفراد دون سن الرابعة والعشرين في المنطقة حوالي 54% من إجمالي عدد السكان.
يستخدم هؤلاء الشباب الخدمات الرقمية في مختلف جوانب حياتهم اليومية باعتبارهم “مواطنين رقميين”، ويتطلّعون دوماً للحصول على المزيد من الخدمات الرقمية عالية الجودة، وسهلة الاستخدام، والمُتاحة بصورةٍ جيدة في الوقت ذاته.
علاوة على ذلك، أدّى الإقبال المتزايد على خدمات الإنترنت إلى تزايد الطلب على الخدمات الرقمية، واتساع نطاق توافرها بصورةٍ كبيرة، حيث باتت واحدةً من أهم الوسائل الفعّالة وفائقة السرعة للحصول على الخدمات المطلوبة بسهولةٍ ويُسر. على صعيدٍ آخر، ساهم ارتفاع نسبة السكان المقيمين في المدن الكبرى بدول مجلس التعاون الخليجي في تعزيز هذا التوجّه، حيث يقيم حوالي 85% من السكان في المدن الكبرى، ويستخدمون الخدمات الحكومية الرقمية بصورةٍ منتظمة”.
أظهر استطلاع الرأي الذي تم إجراؤه بشأن الخدمات الحكومية الرقمية المقدّمة للمواطنين – والذي شمل أكثر 25,000 مشارك من 36 دولة حول العالم، بشأن 26 خدمة حكومية رقمية جديدة – العديد من النتائج الأخرى، حيث عبّر مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي عن رضاهم عن مستوى جودة الخدمات الحكومية الرقمية المقدّمة لهم، بفضل المزايا والإمكانيات المتطوّرة التي تتمتع بها تلك الخدمات، والتي من أهمها اللغة المفهومة والواضحة في التطبيقات المستخدمة، وإمكانية الوصول إلى المنصات الرقمية المختلفة، وسهولة الاطلاع على المعلومات والبيانات المتاحة. في الإطار ذاته، أشار المشاركون في الاستطلاع إلى وجود بعض التحديات القائمة حالياً، وتحديداً فيما يتعلّق بتوافر خدمات الدعم الفني المباشر، بالإضافة إلى بعض المخاوف الأخرى المتعلّقة بسلامة البيانات في المملكة العربية السعودية. في حين أعرب المشاركون في الاستطلاع عن مخاوفهم فيما يتعلق بشفافية البيانات، وإجراءات جمعها وتخزينها، أرجع 90% منهم السبب الأساسي وراء تلك المخاوف لعوامل ترتبط بخوارزميات الذكاء الاصطناعي المُطبّقة.
من جانبه يرى مرتضى أنه: “على الرغم من ارتقاء التحوّلات الرقمية الحالية بقيمة الخدمات الحكومية المقدّمة للمواطنين، إلا أن معظم المشاركين في الاستطلاع قد أظهروا بعض المخاوف المتعلّقة بالبيانات وقدرات الذكاء الاصطناعي. يعتبر بناء الثقة في هذا الإطار أمراً غايةً في الأهمية، ما يعني ضرورة التزام الحكومات بالعمل على طمأنة المستخدمين ونيل ثقتهم، بدءاً من إطلاعهم على كيفية استخدام بياناتهم، وصولاً إلى الضوابط المُطبّقة لتعزيز مبدأ الحوكمة الرشيدة.
ينبغي للحكومات أن تعمل على بناء أُطرٍ تنظيميةٍ جديدة لمعالجة مخاوف مواطنيها فيما يتعلّق بالذكاء الاصطناعي، وأن تدعم التوجهات المتعلّقة بالاستخدام الأخلاقي للبيانات في العالم الرقمي الجديد، بالتوازي مع توفير خدمات التواصل الفعّال وتقنيات التعليم المتطوّر”.
ومع اقتراب الوباء من نهايته، حدّدت مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب عدداً من الخطوات الرئيسية التي يمكن اتباعها من قبل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لضمان تطبيق إجراءاتٍ وتدابير شاملةٍ في مجال التحوّل الرقمي، وتعزيز آليات تقديم الخدمات الرقمية، على النحو التالي:
- الاستمرار في تحسين مجموعة الخدمات المقدمة.
- منح المواطنين إمكانية التحكُّم في بياناتهم، ودعم التوجهات المتعلّقة بالاستخدام الأخلاقي للبيانات.
- الاستثمار في أدوات وتقنيات حماية أمن البيانات في جميع مراحل تقديم الخدمات.
- وضع المعايير والمبادئ التوجيهية الشاملة، وتنظيم دوراتٍ تدريبية متقدّمة، والتركيز على معالجة المعوّقات التنظيمية المتعلّقة بالاستخدام الأخلاقي للبيانات، وتطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي.
- تطبيق نهجٍ استباقي شامل في جميع آليات وتقنيات التواصل المختلفة.
من جانبه يرى ليتيج أن: “الحكومة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي قد أثبتت تفوّقها كنماذج رائدةٍ عالمياً في تقديم الخدمات الرقمية، ما يجعلها مثالاً يُحتذى به على الساحة العالمية. جدير بالذكر أن ارتفاع نسبة الشباب، وزيادة حجم التمركز السكاني في المدن الكبرى، علاوة على التدابير والإجراءات الفعّالة التي تم اتخاذها لمكافحة تفشي الوباء قد أتاحت المزيد من الفرص في هذا الإطار، فقد نجحت حكومات المنطقة في نيل ثقة مواطنيها وتبديد مخاوفهم، الأمر الذي أهّلها للوصول إلى مكانةٍ رائدة في مجال تقديم الخدمات الرقمية المبتكرة، وتقديم نماذج متطورة تلبّي احتياجات وتطلعات المستقبل”.